سورة النساء - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النساء)


        


{لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (7) وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (8)}
{والأقربون} هم المتوارثون من ذوي القرابات دون غيرهم {مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ} بدل مما ترك بتكرير العامل. و{نَصِيباً مَّفْرُوضاً} نصب على الاختصاص، بمعنى: أعني نصيباً مفروضاً مقطوعاً واجباً لابد لهم من أن يحوزوه ولا يستأثر به. ويجوز أن ينتصب انتصاب المصدر المؤكد كقوله: {فَرِيضَةً مّنَ الله} [النساء: 11] كأنه قيل: قسمة مفروضة.
وروي أن أوس بن الصامت الأنصاري ترك امرأته أم كجة وثلاث بنات، فزوى ابنا عمه سويد وعرفطة أو قتادة وعرفجة ميراثه عنهنّ، وكان أهل الجاهلية لا يورّثون النساء والأطفال، ويقولون: لا يرث إلا من طاعن بالرماح وذاد عن الحوزة وحاز الغنيمة، فجاءت أم كجة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد الفضيخ فشكت إليه، فقال: «ارجعي حتى أنظر ما يحدث الله» فنزلت، فبعث إليهما لا تفرّقا من مال أوس شيئاً فإنّ الله قد جعل لهنّ نصيباً ولم يبين حتى يبين فنزلت {يُوصِيكُمُ الله} [النساء: 11] فأعطى أم كحة الثمن، والبنات الثلثين، والباقي ابني العم {وَإِذَا حَضَرَ القسمة} أي قسمة التركة {أُوْلُواْ القربى} ممن لا يرث {فارزقوهم مّنْهُ} الضمير لما ترك الوالدان والأقربون، وهو أمر على الندب قال الحسن: كان المؤمنون يفعلون ذلك، إذا اجتمعت الورثة حضرهم هؤلاء فرضخوا لهم بالشيء من رثة المتاع. فحضهم الله على ذلك تأديباً من غير أن يكون فريضة. قالوا: ولو كان فريضة لضرب له حدّ ومقدار كما لغيره من الحقوق، وروى أن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه قسم ميراث أبيه وعائشة رضي الله عنها حية؟ فلم يدع في الدار أحداً إلا أعطاه، وتلا هذه الآية. وقيل: هو على الوجوب. وقيل: هو منسوخ بآيات الميراث كالوصية.
وعن سعيد بن جبير: أن ناساً يقولون نسخت، ووالله ما نسخت، ولكنها مما تهاونت به الناس. والقول المعروف أن يلطفوا لهم القول ويقولوا: خذوا بارك الله عليكم، ويعتذروا إليهم، ويستقلوا ما أعطوهم ولا يستكثروه، ولا يمنوا عليهم.
وعن الحسن والنخعي: أدركنا الناس وهم يقسمون على القرابات والمساكين واليتامى من العين، يعنيان الورق والذهب. فإذا قسم الورق والذهب وصارت القسمة إلى الأرضين والرقيق وما أشبه ذلك، قالوا لهم قولاً معروفاً، كانوا يقولون لهم: بورك فيكم.


{وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (9)}
(لو) مع ما في حيزه صلة للذين. والمراد بهم: الأوصياء، أمروا بأن يخشوا الله فيخافوا على من في حجورهم من اليتامى ويشفقوا عليهم، خوفهم على ذريتهم لو تركوهم ضعافاً وشفقتهم عليهم وأن يقدّروا ذلك في أنفسهم ويصوّروه حتى لا يجسروا على خلاف الشفقة والرحمة. ويجوز أن يكون المعنى: وليخشوا على اليتامى من الضياع. وقيل: هم الذين يجلسون إلى المريض فيقولون: إن ذريتك لا يغنون عنك من الله شيئاً، فقدم مالك، فيستغرقه بالوصايا، فأمروا بأن يخشوا ربهم، أو يخشوا على أولاد المريض ويشفقوا عليهم شفقتهم على أولاد أنفسهم لو كانوا. ويجوز أن يتصل بما قبله وأن يكون أمراً بالشفقة للورثة على الذين يحضرون القسمة من ضعفاء أقاربهم واليتامى والمساكين وأن يتصوّروا أنهم لو كانوا أولادهم بقوا خلفهم ضائعين محتاجين. هل كانوا يخافون عليهم الحرمان والخيبة؟ فإن قلت: ما معنى وقوع {لَوْ تَرَكُواْ} وجوابه صلة للذين؟ قلت: معناه: وليخش الذين صفتهم وحالهم أنهم لو شارفوا أن يتركوا خلفهم ذرية ضعافاً، وذلك عند احتضارهم خافوا عليهم الضياع بعدهم لذهاب كافلهم وكاسبهم، كما قال القائل:
لَقَدْ زَادَ الْحَيَاةَ إِلَيَّ حُبًّا *** بَنَاتِي إِنَّهُنَّ مِنَ الضِّعَافِ
أُحَاذِرُ أَن يَرَيْنَ الْبُؤْسَ بَعْدِي *** وَأَنْ يَشْرَبْنَ رَنْقاً بَعْدَ صَافِي
وقرئ: {ضعفاء}، {ضُعافى}، {وضعافى}. نحو سكارى، وسكارى. والقول السديد من الأوصياء: أن لا يؤذوا اليتامى ويكلموهم كما يكلمون أولادهم بالأدب الحسن والترحيب، ويدعوهم بيا بنيّ ويا ولدي، ومن الجالسين إلى المريض أن يقولوا له إذا أراد الوصية: لا تسرف في وصيتك فتجحف بأولادك، مثل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد: «إنك إن تترك ولدك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس» وكان الصحابة رضي الله عنهم يستحبون أن لا تبلغ الوصية الثلث وأن الخمس أفضل من الربع والربع أفضل من الثلث. ومن المتقاسمين ميراثهم أن يلطفوا القول ويجملوه للحاضرين.


{إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (10)}
{ظُلْماً} ظالمين، أو على وجه الظلم من أولياء السوء وقضاته {فِي بُطُونِهِمْ} ملء بطونهم يقال: أكل فلان في بطنه، وفي بعض بطنه. قال:
كُلُوا فِي بَعْضِ بَطْنِكُمُوا تَعِفُّوا ***
ومعنى يأكلون ناراً: ما يجر إلى النار، فكأنه نار في الحقيقة. وروى: أنه يبعث آكل مال اليتيم يوم القيامة والدخان يخرج من قبره ومن فيه وأنفه وأذنيه وعينيه فيعرف الناس أنَّه كان يأكل مال اليتيم في الدنيا. وقرئ {وسيصلون} بضم الياء وتخفيف اللام وتشديدها {سَعِيراً} ناراً من النيران مبهمة الوصف.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8